مقدمة
سورة التوبة، واحدة من سور القرآن الكريم التي لطالما أثارت الاهتمام والتساؤلات بين الدارسين والقراء، وذلك لتميزها بخصائص عديدة، من بينها غياب البسملة التقليدية بسم الله الرحمن الرحيم في بدايتها. تلك الظاهرة الفريدة التي لطالما جذبت الأنظار ودعت إلى التدبر والبحث، ما الحكمة من وراءها وما الأسباب التي قد تفسر هذا الاستثناء؟ في هذا المقال، سنقوم بالغوص بعمق في أسباب هذا الغياب اللافت للبسملة في سورة التوبة، مستشهدين بالمفسرين الكبار والمصادر الأصيلة.
سبب غياب البسملة في أول سورة التوبة
تعد سورة التوبة من السور المدنية التي تشتمل على أحكام تعنى بالجهاد والتعامل مع المشركين، وهي مكونة من 129 آية. تتميز هذه السورة بكونها الوحيدة في القرآن الكريم التي لا تبدأ بالبسملة، وهو الأمر الذي فتح باباً واسعاً من التفسيرات والتأويلات حول الحكمة من هذا الاستثناء.
أهم الأسباب المطروحة
أولاً: يُرى أن غياب البسملة يأتي في سياق التناغم مع المضمون العام للسورة، الذي يتسم بالشدة والحزم تجاه المشركين. فالبسملة، بما تحمله من معاني الرحمة والرأفة، قد تتنافى مع رسالة السورة القاضية بإعلان البراءة من المشركين وتحديد موقف الإسلام منهم بكل وضوح.
ثانياً: هناك من العلماء من ذهب إلى أن سبب الغياب يعود إلى أن سورة التوبة هي استمرارية للسورة التي تسبقها، وهي سورة الأنفال، إذ يُعتقد أنهما في الأصل كانتا سورة واحدة. لذا، فإن البسملة لكونها فصلت بين السور في بقية القرآن، لم تُذكر للفصل بينهما هنا لتأكيد هذه الوحدة السياقية.
ثالثاً: يرى آخرون أن السبب يمكن أن يكون لاهوتياً عميقاً، حيث يشير غياب البسملة إلى الطبيعة الجليلة لله عز وجل، الذي يأمر بالرحمة والرأفة في غالب أموره، لكنه في الوقت ذاته يعدل ويقتص من المعتدين والمشركين الذين اختاروا طريق العناد والتحدي لأوامره.
الخلاصة
إن غياب البسملة في بداية سورة التوبة لا ينبغي أن يرى على أنه مجرد تفصيل ثانوي في تراتيب القرآن الكريم، بل هو ذو دلالة عميقة ومتناسقة مع السياق العام للسورة وما تضمنته من رسائل وأحكام. إن فهم الحكمة من وراء هذه الظاهرة يفتح الباب أمام تأمل أعمق في كلمات الله تعالى ويدعونا إلى الاستجابة لأوامره بالجدية والالتزام اللذين تُظهِرهما سورة التوبة.
