المقدمة
للأنبياء والرسل مكانة عظيمة في الإسلام، فهم قدوتنا في العبادة والأخلاق، ومن خلالهم اهتدينا إلى الصراط المستقيم. إن فهم ما الفرق بين الأنبياء والرسل يعزز من إيماننا، ويصحح بعض المفاهيم التي قد تكون غير واضحة. والأهم من ذلك، أن التأمل في سِيَر هؤلاء الرجال العظماء، يلهمنا للسير على نهجهم في حياتنا لننال رضا الله تعالى والفوز في الدنيا والآخرة.
من هو النبي ومن هو الرسول؟
- النبي: هو الشخص المختار من قِبل الله تعالى والذي أوحِي إليه بشرع ليبلغه للناس ويدعوهم لاتباعه. وقد يكون هذا الشرع جديدًا بالكليّة أو قد يؤكد ويجدد ما بُعث به أنبياء سابقون.
- الرسول: هو أيضًا شخص يختاره الله من عباده، لكن بالإضافة لإيحاء الشرع إليه، يكلفه الله برسالة جديدة كليًا، مع إنزال كتاب سماوي مُحدّد، ويجب على هذا الرسول دعوة جميع البشر للإيمان بالله وفقًا لهذا الكتاب والتشريع الإلهي الجديد.
الفروق الأساسية بين النبي والرسل
- التشريع: قد يبعث الله النبي لتأكيد شرع سابق لكي يجدد دعوة قومه إلى الله، أو يأتي بتشريع جديد. أما في حالة الرسول فهو دومًا صاحب شريعة جديدة خاصة به. فمثلاً، أُرسل سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم عليهما السلام لتجديد الإيمان بالله الواحد، لكن شرائعهم كانت جديدة ومختلفة. بينما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أتى بشرع شامل ينسخ ما سبقه.
- طاق الدعوة: قد تكون دعوة النبي محصورة في قوم معينين أو في إقليم جغرافي محدد. أما الرسول فدائمًا ما تكون رسالته عامة لجميع البشر بلا استثناء.
- الكتاب السماوي: ليس شرطًا أن ينزل كتاب سماوي مع كل نبي، فقد تكون مهمته الأساسية تبليغ الشريعة شفهيًا. في المقابل، من خصائص الرسول أن ينزل عليه كتاب سماوي محدد، مثل سيدنا موسى والتوراة، وسيدنا عيسى والإنجيل، وسيدنا محمد والقرآن الكريم.
كم عدد الأنبياء والرسل؟
- الأنبياء: عددهم كبير للغاية. فقد ورد في الحديث الشريف: “إن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا”. وهذا يدل على عناية الله تعالى بالبشر، حيث لم يتركهم في جهل وضلال.
- الرسل: عددهم محدود ومعروف نسبيًا. وذكر الله تعالى في القرآن الكريم بالاسم خمسة وعشرين رسولًا.
الصفات المشتركة للأنبياء والرسل
يتصف جميع الأنبياء والرسل بمجموعة من الصفات الكريمة، التي تدل على اصطفاء الله لهم، ومكانتهم الفريدة في الأرض. ومن أبرز تلك الصفات:
- العصمة: حفظهم الله من كل معصية صغيرة أو كبيرة، فلا سبيل للطعن فيهم واتهامهم بعدم ممارسة ما يقولونه. وقد أكد الله تعالى هذه الصفة في القرآن الكريم: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين). [يوسف: 24].
- الصدق: لم يكذب أي نبي أو رسول على الله أبدًا، بل كانوا الصادقين الأمناء، فلو كانوا يكذبون، لكانت رسالتهم كلها باطلة.
- الأمانة: رسالات الله وتعاليمه أمانة، والأنبياء والرسل أوفى الناس بها، فبلغوها للناس كاملة دون تغيير أو تحريف.
- الفطنة والذكاء: يتميز الأنبياء والرسل بحدة الذكاء والفهم العميق لتشريعات الله تعالى، حتى يتمكنوا من تبسيطها للناس وإيضاحها بأفضل الطرق.
- البلاغة والفصاحة: القوة في الكلام وحسن التعبير من أهم مميزاتهم ليستطيعوا دعوة الناس بقوة الحجة والإقناع، وشرح أحكام الدين وشرائعه بشكل واضح.
- الصبر والتحمل: طريق الدعوة شاق ومليء بالتحديات، من تكذيب وسخرية وحتى إيذاء، لذلك أعطى الله أنبياءه ورسله قوة صبر غير عادية على البلاء، وإيمانًا راسخًا يجعلهم لا ييأسون أو يتراجعون مهما بلغت الصعاب. نبي الله أيوب عليه السلام خير مثال على الصبر، حيث ابتلاه الله بالمرض والفقد لسنوات طويلة، فبقي صابرًا محتسبًا يرجو رحمة الله.
الغاية من إرسال الأنبياء والرسل
من رحمة الله تعالى وحكمته أن أرسل الأنبياء والرسل ليكونوا هداة للبشرية. ومن أبرز أهداف إرسالهم:
- توحيد الله تعالى: الدعوة الأساسية لكل الأنبياء والرسل كانت ولا تزال توحيد الله سبحانه وتعالى، ونبذ عبادة غيره. فعلى سبيل المثال، واجه سيدنا إبراهيم عليه السلام قومه الوثنيين وحارب شركهم، فحطم أصنامهم بيده ودعاهم لعبادة الله الواحد الأحد.
- تبيان الحلال والحرام: إن معرفة الشرائع والقوانين الإلهية التي تنظم علاقة الإنسان مع ربه ومع الناس ضرورية لحياة منظمة، لذا أتى الأنبياء والرسل بكتب سماوية توضح الأحكام الشرعية التي تصلح الفرد والمجتمع.
- مكارم الأخلاق : ليس دورهم محصورًا في الجوانب التعبدية، بل اهتموا أيضًا ببناء أخلاقيات عالية في الناس، تدعو للرحمة والعدل والصدق والأمانة وغيرها من القيم الرفيعة.
- إقامة الدليل على الناس: لقد أرسل الله لكل قوم رسولًا ليبيم ليب لهم الطريق القويم. وهذا يعني أن لا عذر للناس يوم القيامة بالجهل، فالحق قد تم عرضه عليهم بوضوح تام. (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). [الأنبياء: 25]
الإيمان بالأنبياء والرسل
يعتبر الإيمان بالأنبياء والرسل جميعًا، والاعتقاد بأنهم معصومون لا يكذبون ولا يخطئون في تبليغ الوحي، ركنًا أساسيًا من أركان الإيمان الستة في الإسلام. فالمسلم الحق لا يقبل الإيمان بالله دون التصديق بنبوة عباده المختارين الذين أرسلهم ليهدوا الناس إليه. وهذا الإيمان ليس مجرد واجب ديني، بل له غاية عظيمة تتجلى في هداية البشرية للطريق القويم. قال تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله). فالمسلم الحق لا يفرق بين رسول وآخر، بل يؤمن برسالاتهم جميعًا ويحترم مكانتهم. فلو افترضنا أن هناك شخصًا يؤمن بالله، لكنه لا يؤمن بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا الإيمان ناقص ولا يعتد به. أو إذا آمن بالأنبياء السابقين لكنه أنكر خاتم المرسلين، فهذا أيضًا إيمان باطل.
خاتم الأنبياء والرسل: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
مكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
يُعدّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل، آخر من أرسلهم الله تعالى لهداية البشرية. وقد أكد الله تعالى خاتميته في القرآن الكريم بقوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا). [الأحزاب: 40].
خصائص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
- الكمال الأخلاقي: تميز سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأخلاقه العظيمة، فهو صاحب خلق عظيم، وله صفات جليلة مثل الرفق والرحمة والحلم والعفو والصبر، وقد اتخذه الله تعالى قدوة للناس في جميع مجالات الحياة.
- الصدق والأمانة: كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معروفًا بالصدق والأمانة قبل وبعد نبوته، حتى لُقب بالصادق الأمين.
- العصمة: حفظ الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من كل معصية، كبيرة أو صغيرة، قبل وبعد النبوة.
- البلاغة والفصاحة: تميز سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقدرته على إيصال رسالة الله تعالى للناس بأسلوب فريد وبليغ، وله خطب ووصايا غنية بالحكمة والموعظة.
- الحكمة والمعرفة: كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حكيمًا ذا علم واسع، وفهمه عميق للتشريعات الإلهية.
فضل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
- الشفاعة: شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من أعظم فضائله، ولها منزلة عظيمة عند الله تعالى.
- الحوض: حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على المسلمين، فهو حوض عظيم يرد عليه المؤمنون يوم القيامة بعد طول عطش.
- الوسيلة: الوسيلة من خصائص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي منزلة عظيمة عند الله تعالى.
الإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
يجب على المسلم أن يؤمن إيمانًا مطلقًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتبعه في أقواله وأفعاله، وأن يقتدي بأخلاقه العظيمة. فالإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو جزء لا يتجزأ من الإيمان بالله تعالى.
أمثلة على فضل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
- حديث الشفاعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من يُشفع يوم القيامة ولا فخر”.
- حديث الحوض: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن حوضي مثل ما بين بصرى إلى صنعاء، ماءه أبيض من اللبن، وأشد بياضًا من الثلج، ورائحته أطيب من المسك، وعدد آنيته عدد نجوم السماء، يرد عليه من كل أمتي شرب، فمن شرب منه لم يظمأ أبدًا”.
- حديث الوسيلة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الوسيلة درجة في الجنة، لا ينالها إلا نبي، وأرجو أن أكون أنا هو”.
معجزات الأنبياء والرسل
تعتبر المعجزة أمرًا خارقًا للعادة، لا يستطيع أي إنسان عادي فعله، ويكون دلالة على صدق النبي أو الرسول الذي تظهر على يديه. فهي بمثابة دليل قاطع على ارتباطه بالله تعالى، وتأكيد على أن الرسالة التي أتى بها هي رسالة حق. ومن أشهر المعجزات المرتبطة بالأنبياء نجد: معجزات سيدنا موسى عليه السلام في شق البحر بعصاه وتحويلها إلى أفعى، ومعجزات سيدنا عيسى عليه السلام بإحياء الموتى بإذن الله وإبراء الأكمه والأبرص (من يولد أعمى ومن به مرض البرص). أما بالنسبة لخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن من أعظم معجزاته التي خلدها التاريخ انشقاق القمر، والإسراء والمعراج، بالإضافة إلى القرآن الكريم الذي يعد معجزة خالدة في بلاغته وبيانه وتشريعاته.
للمعجزات أهمية كبيرة في سياق الدعوة الإسلامية. فهي تساعد على إثبات صدق الأنبياء والرسل أمام الناس، وتقوي إيمان من يؤمن بها، وتدفعهم للإيمان بالله تعالى. كما تعكس قدرة الله وعظمته، وتضفي تأييدًا إلهيًا للرسالة التي ينشرها الأنبياء.
من المهم التفريق بين مصطلحات متشابهة، فالمعجزة – كما ذُكر – تخص الأنبياء والرسل تحديدًا، أما الكرامة فهي أمر خارق يجريه الله على يد أحد أوليائه الصالحين، لكن لا تكون مرتبطة بدعوى النبوة. أما السحر، فهو أفعال من الخداع البصري، ويمكن تعلمه والتلاعب به في سبيل إلحاق الضرر بالناس، وليس له أصل أو برهان إلهي.
ختامًا، تبرز المعجزات الدليل الملموس على صدق أنبياء الله ورسله، وتعد جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الرسالات السماوية. ففيها يظهر دعم الله تعالى لمن اصطفاهم لتبليغ رسالاته وهداية الخلق.
الخاتمة
يتضح لنا من خلال هذا المقال أن الأنبياء والرسل كانت لهم مهمة عظمى وهي هداية البشرية إلى خالقها. وقد تميز كل رسول منهم بشريعة خاصة به، حتى وصلنا إلى الرسالة المحمدية الكاملة التي نسخت ما سبقها، وأصبحت الشريعة الخاتمة للبشرية كلها. وعلينا أن نقتدي بأنبياء الله ورسله، فنستلهم من قصصهم العظيمة، ونتخلق بأخلاقهم، ونعمل بشرائعهم، لننال رضا الله تعالى والفوز في الدنيا والآخرة.