ما هو الفرق بين البحر والمحيط ؟

المحتوى

مقدمة

يُشكّل الماء مساحات شاسعة من كوكبنا الأزرق، فمن قطرات الأمطار الرقيقة إلى المسطحات المائية المترامية الأطراف، تتجلى عظمة الطبيعة في أشكال متعددة. وعندما نتحدث عن المسطحات المائية الكبيرة، غالبًا ما نسمع مصطلحيّ “البحر” و”المحيط”. ورغم وضوح التشابه بينهما، فهناك اختلافات أساسية من المهم استكشافها. في هذا المقال، سوف نتعمّق في عالم المسطحات المائية، لنفهم جيدًا “الفرق بين البحر والمحيط”. قد نظن للوهلة الأولى أنه مجرد اختلاف في التسمية، لكن الحقيقة هي أن لكلٍّ منهما خصائص ومميزات تجعله فريدًا ومختلفًا عن الآخر.

أولًا: الحجم – حيث يكمن الفرق الكبير

يُمثل الحجم الفارق الرئيسي بين البحر والمحيط. فالمحيطات عبارة عن أجسام مائية مالحة هائلة تغطي غالبية سطح الأرض، وتحديدًا حوالي 70٪ منه. أما البحار، فهي أصغر بكثير من المحيطات، ولعلَّ أشهر الأمثلة التي توضح هذا الاختلاف هو البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر مقارنة بالمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.

لإدراك مدى ضخامة المحيطات، فلنتخيل أن كوكب الأرض تم تقسيمه إلى أربعة أجزاء. الآن، سيكون هناك ثلاثة أجزاء من تلك الأربعة عبارة عن محيطات، أما الجزء المتبقي فيمثل اليابسة الكلية للكوكب بجميع قاراته. أما البحار فتشكل مساحةً أصغر بكثير من مسطحات مائية محاطة بشكل جزئي باليابسة.

ثانيًا: الموقع – لكل منهما مكانه

يتمثل اختلاف جوهري آخر في الفرق بين البحر والمحيط في موقعهما الجغرافي. عادةً ما تقع المحيطات بين القارات وتُعدّ مساحات شاسعة منفصلة تمامًا عن اليابسة. تواصل المحيطات القارات مع بعضها البعض، مثل المحيط الأطلسي الذي يفصل بين قارتيّ أمريكا الشمالية وأوروبا، والمحيط الهادئ الذي يفصل بين آسيا واستراليا وأمريكا الشمالية.

على عكس المحيطات، تتواجد البحار في أغلب الأحيان بالقرب من السواحل، وتمتد من المحيطات، وقد تكون محاطة بشكل جزئي باليابسة. لعلّ هذا هو ما يجعلنا نشعر بأن البحار أقل اتساعًا مقارنة بالمحيطات التي لا تبدو لها حدود. ومن الأمثلة على البحار: البحر الأحمر الواقع بين قارتي آسيا وإفريقيا، والبحر الأبيض المتوسط في جنوب أوروبا، والبحر الكاريبي بالقرب من الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية.

ثالثًا: العمق – عندما يتعلق الأمر بالقياس

يعتبر العمق أحد الفروقات الرئيسية عند التمييز بين البحر والمحيط. تتسم المحيطات بعمقها الهائل، حيث يمكن أن تصل أعماق بعض أجزائها إلى آلاف الأمتار. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط عمق المحيط الهادئ حوالي 4000 متر، وأعمق نقطة فيه هي خندق مريانا والتي يتجاوز عمقها 11000 متر.

من ناحية أخرى، فإن البحار أقل عمقًا بكثير مقارنة بالمحيطات. يتراوح متوسط عمق معظم البحار بين مئات الأمتار فقط، كالبحر المتوسط الذي يصل عمقه لـ1500 متر، والبحر الأحمر الذي لا يتجاوز عمقه 2500 متر. وبالرغم من ذلك، هناك استثناءات، وبعض البحار هي أعمق من غيرها.

رابعًا: التيارات البحرية – قوى الطبيعة المتحركة

تتميز المحيطات بتيارات مائية قوية ومعقدة تتشكل بسبب دوران الأرض واختلاف درجات حرارة الماء وملوحتها. تلعب هذه التيارات دورًا مهمًا في تنظيم مناخ الأرض وتوزيع العناصر الغذائية في جميع أنحاء المحيطات، ولعل التيار الأشهر في هذا الصدد هو تيار الخليج الدافئ الذي يؤثر بشكل كبير على مناخ أوروبا الغربية.

أما البحار، فيمكن أن تتأثر بتيارات المحيطات القريبة، ولكن تياراتها البحرية الخاصة تميل لكونها أضعف وأقل تعقيدًا من تلك الموجودة في المحيطات. ويعود سبب هذا الاختلاف بشكل رئيسي إلى المساحة المحدودة نسبيًا للبحار، إضافةً لطبيعتها شبه المحاطة باليابسة في كثير من الحالات.

خامسًا: التنوّع البيولوجي – ثراء الحياة البحرية

تشتهر المحيطات بتنوعها البيولوجي الرائع، حيث تستضيف مجموعة هائلة من الكائنات الحية بدءًا من العوالق المجهرية وصولًا إلى الحيتان العملاقة. تحتوي المحيطات على مجموعة واسعة من النظم البيئية والموائل المختلفة، من الشعاب المرجانية الملونة إلى أعماق المحيطات السحيقة، مما يوفر موطنًا لأنواع لا حصر لها من الكائنات.

أما البحار، فتتميز أيضًَا بتنوع بيولوجي غني، لكنها قد تكون أقل تنوعًا من المحيطات لأنها أصغر حجمًا وتميل لأن تكون أقل عمقًا. على الرغم من ذلك، تستضيف البحار العديد من الأنواع الفريدة التي تتكيف مع بيئتها الخاصة. فعلى سبيل المثال، يتميز البحر الأحمر بمجموعة متنوعة وغنية من الشعاب المرجانية التي تجذب هواة الغوص من جميع أنحاء العالم.

سادسًا: الملاحة البشرية – استكشاف المسطحات المائية

لعبت كل من البحار والمحيطات دورًا محوريًا في تاريخ البشرية كوسيلة للتنقل والتجارة والاستكشاف. اعتمدت الحضارات القديمة على البحار للصيد والتواصل مع المجتمعات المجاورة. أما المحيطات، فقد فتحت آفاقًا أوسع للسفر لاكتشاف أراضي جديدة وإقامة طرق تجارية عالمية تربط القارات.

تطور استخدام البشر للمحيطات والبحار عبر الزمن جنبًا إلى جنب مع التقدم التكنولوجي في مجال الملاحة. ففي البداية، تم الاعتماد على السفن الشراعية البسيطة، ثم السفن البخارية، وصولًا إلى السفن العملاقة الحديثة التي تعبر المحيطات بسهولة. ومع ذلك، تظل الملاحة البحرية تحمل في طياتها تحدياتٍ خاصة سواء في البحار أو المحيطات، وإن كان عبور المحيطات غالبًا ما يتطلب استعدادات إضافية لمواجهة ظروف الطقس القاسية والأمواج العالية.

سابعًا: تأثير تغير المناخ – تحديات عالمية

يشكل تغير المناخ تهديدًا متزايدًا على صحة بحارنا ومحيطاتنا. تؤثر زيادة درجات حرارة المياه بشكل سلبي على الحياة البحرية، كما أن تحمّض المحيطات، وهو انخفاض مستوى الرقم الهيدروجيني (pH) نتيجة امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد من الغلاف الجوي، يهدد الشعاب المرجانية والكائنات ذات الأصداف. علاوةً على ذلك، يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تآكل المناطق الساحلية، وغمر مساحات من اليابسة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على مجتمعات بأكملها.

تعتبر البحار والمحيطات لاعبًا أساسيًا في استقرار مناخ الأرض، فهي بمثابة بالوعة حرارية تمتص فائض الحرارة وثاني أكسيد الكربون من الجو. لكن هذا التغيير المناخي المتسارع يعرض قدرتها على أداء هذه الوظيفة الحيوية للخطر. ومن هنا، تأتي أهمية تكاتف الجهود لحماية المسطحات المائية ومواردها، للحد من معدل تغير المناخ والتكيف مع آثاره السلبية.

خاتمة

على الرغم من ارتباط البحر والمحيط ارتباطًا وثيقًا وكلاهما يمثلان مسطحات مائية مالحة هامة، إلا أن هناك اختلافات جوهرية تميز كلًا منهما. فالمحيطات أوسع وأعمق وتؤوي تنوعًا بيولوجيًا أغنى، وتؤثر بشكل أكبر على مناخ الأرض. أما البحار، فأصغر وأكثر ارتباطًا باليابسة. إلا أن كليهما يلعب دورًا رئيسيًا في صحة كوكبنا وموارده.

إن فهمنا للفرق بين البحر والمحيط يمنحنا تقديرًا أكبر لروعة عالمنا الطبيعي، كما يلفت الانتباه إلى ضرورة حماية المسطحات المائية للأجيال القادمة. فالمحيطات والبحار ركن أساسي في توازن الطبيعة، ومن واجبنا الحفاظ على ما تجود به علينا من نعم ولضمان مستقبل أزرق مستدام لكوكبنا.

Scroll to Top